مختصر من حياة الرسول الأكرم محمّد بن عبدالله
(صلّى الله عليه وآله)
1ـ نسبه الشريف: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن هاشم بن قُصيّ ابن كلاب ابن مرّة ينتهي نسبُه الشريف إلى النبي إبراهيم الخليل (عليه السلام). وأُمّه آمنة بنت وهب من النساء الطاهرات.
وقد كان أجداده طاهري النسب من الآباء والأمهات إذ صرّح (صلّى الله عليه وآله) في أحاديث رواها السنة والشيعة بذلك فقد جاء عنه (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: «نُقلت من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة نكاحاً لا سفاحاً»(1).
وقال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «وأشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسولُه وسيد عباده كلّما نسخ الله الخلق فرقتين جعله في خيرهما لم يُسهم فيه عاهرٌ ولا ضربَ فيه فاجر»(2).
كما ذكر الإمام الصادق (عليه السلام) ذلك مفسّراً الآية ((وَتَقَلُّبَك في الساجِدِينَ)): «أي في أصلاب النبيّين نبيٌّ بعد نبيّ حتى أخرجه من صلب أبيه عن نكاحٍ غير سفاح من لدن آدم»(3).
2ـ مولده (صلّى الله عليه وآله): ولد النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في عام الفيل (570م)(4) باتفاق كتاب السيرة، في السابع عشر من ربيع الأول عند الشيعة الإمامية والثاني عشر عند المشهور من العامة.
وقد وقعت يوم ولادته أحداث عجيبة فقد وُلد مختوناً مقطوع السرة وهو يقول: «((الله أكبر والحمدُ له كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً)) كما تساقطت الأصنام في الكعبة على وجهها وخرج نورٌ معه أضاء مساحة واسعة من الجزيرة العربية وانكسر إيوان كسرى وسقطت أربعة عشر شرفة منه وانخمدت نار فارس التي كانت تعبد»(5) إلى غير ذلك.
توفي والده عبدالله وهو في بطن أُمّه وتوفيت أُمّه وهو في السادسة من عمره فتكفّله جدّه عبدالمطّلب إلاّ أنه فقده أيضاً في الثامنة من عمره فتكفّله عمّه أبوطالب.
3ـ معاجزه وفضائله ومناقبه: وهي أكثر من أن تُذكر أو يحويها فكر ولكن لا مانع من ذكر بعضها على نحو الاختصار وإلاّ فهي كثيرة ذكرها ابن شهرآشوب أنها أربعة آلاف وأربعمائة وأربعين معجزة ولم يذكرها كلها ومعجزاته ومناقبه (صلّى الله عليه وآله) على أنواع:
فمن المعاجز والمناقب ما حصل في الأجرام السماوية كشق القمر وردّ الشمس وتضليل الغمام ونزول المطر والأطعمة والفواكه من السماء ومن معجزاته (صلّى الله عليه وآله) ما حصل في الجمادات والنباتات كسلام الشجر والمدر عليه ومشي الشجر بأمره وتسبيح الحجر بيده وانقلاب الجذع سيفاً.
ومن معاجزه (صلّى الله عليه وآله) ما حصل في الحيوانات مثل تكلم عجل آل ذريح وحثّ الناس على نبوته (صلّى الله عليه وآله) وتكلّم الرضيع والذئب والإبل والشاة المسمومة معه (صلّى الله عليه وآله).
ومنها: ما حصل في الموتى وشفاء المرضى. وهي كثيرة جداً ومن معجزاته (صلّى الله عليه وآله) ما حصل مع الأعداء كهلاك المستهزئين وأكل الأسد عتبة بن أبي لهب ودفعه لشر أبي جهل وأبي لهب وأم جميل وعامر بن الطفيل وأزيد بن قيس ومعمر بن يزيد ونضر بن الحارث.
ومن المعاجز أيضاً استيلائه على الجن والشياطين وإيمان بعض الجن به(6).
وأمّا فضائله (صلّى الله عليه وآله) فكان جواداً كريماً شجاعاً صادقاً أميناً حتى دُعي في ذلك أيام صباه واشتهر بالصادق الأمين قبل نبوته (صلّى الله عليه وآله): فكان أعداؤه يعرفونه بالأمانة والصدق فهذا أبو جهل يقول: إنّا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به.
كان كثير السكوت وضحكه التبسّم وإذا جلس إليه أحد لم يقم حتى يقوم الذي جلس إليه.
كان واسع الصدر فعن أنس قال: إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) أدركه أعرابي فأخذ بردائه فجذبه جذبةً شديدة حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد أثّرت بها حاشية الرداء من شدّة جذبته ثم قال له: يامحمّد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فضحك وأمر له بعطاء.
ومن سموّ أخلاقه وفضائله ما روي عن أبي جعفر عليه السلام (عليه السلام) من أنّه قال: «إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أتى باليهودية التي سمّت الشاة للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) فقال لها: ما حملك على ما صنعتِ؟ فقالت: قلتُ: إن كان نبيّاً لم يضرّه وإن كان ملكاً أرحت الناس منه قال: فعفا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عنها».
ومن هنا وصفه القرآن بأنّه على خلقٍ عظيم إذ قال تعالى: ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ))(7).
فمن تتبع فضائله ومناقبه وسمو أخلاقه ومعاجزه قطع بأنّه المبعوث رحمة للعالمين لإخراجهم من الظلمات إلى النور.
4ـ شمائله (صلّى الله عليه وآله): عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ولا الأبيض الأمهقِ ولا بالأدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط بعثه الله تعالى على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفّاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.
والمقصود من الأمهق الشديد البياض بحيث يكون خالياً عن الحمرة والجعد إذا كان فيه إلتواء وانقباض والقطط الجعودة والسبط خلاف الجعد.
وتوفّاه الله وعمره ثلاث وستّين سنة.
وعن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «لم يكن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) (صلّى الله عليه وآله) بالطويل ولا بالقصير شثن الكفّين والقدمين ضخم الرأس ضخم الكراديس طويل المسربة إذا مشى تكفّأ تكفؤاً كأنما ينحطّ من صببٍ لم أرَ قبله ولا بعده مثله».
5ـ شهادته (صلّى الله عليه وآله): قبض الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) على ما ذكره شيخ الطائفة في التهذيب مسموماً يوم الاثنين في الثامن والعشرين من شهر صفر سنة عشرة من الهجرة وعلى المعروف. أنه في السنة الحادية عشرة للهجرة وهكذا ينقطع الوحي الإلهي بعد وقتٍ ليس بقصير من التردد بين الحضرة الربوبية والساحة الأحمدية من الربط بين العالمين العالم العلوي والعالم السفلي.
وأما كيفية وفاته (صلّى الله عليه وآله) ووصاياه فأنّه (صلّى الله عليه وآله) لما تحقّق من دنوّ أجله أخذ يحذّر المسلمين من الفتنة بعده والخلاف عليه ويؤكّد وصايتهم بالتمسك بالكتاب والسنة والوفاق ويحثّهم على الأقتداء بعترته والطاعة لهم والنصرة والحراسة والأعتصام بهم في الدين ويزجرهم عن الخلاف والأرتداد وكان فيما ذكره من ذلك ما جاءت به الروايات أنّه قال: «أيّها الناس إني فرطكم( وأنتم واردون عليَّ الحوض ألا وأني سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفّوني فيهما فأنّ اللطيف الخبير نبأني أنّهما لن يفترقا حتى يلقاني وسألت ربي ذلك فأعطانيه. ألا وإني قد تركتهما فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولا تسبقوهم فتفرقوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فأنهم أعلم منكم أيّها الناس لا ألفيتكم بعدي ترجعون كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض فتلقوني في كتيبةٍ كبحر السيل الجرّار ألا وإن عليّ بن أبي طالب أخي ووصيّي يُقاتِل بعدي على تأويل القرآني كما قاتلت على تنزيله..» ونفس هذا الكلام الذي كرّره مراراً وفي مواضع وأزمنة مختلفة، مُنع (صلّى الله عليه وآله) من كتابته ووصفوه بأنّه يهجر تارة وغلب عليه الوجع تارة أخرى. خوفاً من كتابة الحق واستقامة الأمة وزعموا أنّ النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) خرج من الدنيا وترك الأمر شورى بين المسلمين ولم يوصِ لأحدٍ والحال أن النبي (صلّى الله عليه وآله) لم يخرج في معركة أو غزوة أو سفر إلاّ وترك خليفة له وهو القائل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «ياعليّ من لم يحسن وصيته عند موته كان نقصاً في مرؤته ولم يملك الشفاعة» فكيف وهو الصادق الأمين والذي لا ينطق عن الهوى أن يترك الأمة سُدىً بلا وصي ولا خليفة.
ثم تقدّم (عليه السلام) فصلّى عليه وحده لم يشركه معه أحد في الصلاة عليه وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه وأين يدفن فخرج إليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال لهم: «إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إمامنا حيّاً وميّتاً فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلّون عليه بغير إمام وينصرفون؛ وإن الله لم يقبض نبياً في مكان إلاّ وقد ارتضاه لرمسه فيه. وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها» فسلّم القوم لذلك ورضوا به(13).
وروي عن بصائر الدرجات عن أبي عبدالله (عليه السلام): «إنه لما قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هبط جبرئيل (عليه السلام) ومعه الملائكة والروح الذين كانوا يهبطون في ليلة اقدر. قال: ففتح لأمير المؤمنين بصره فرآهم في منتهى السماوات إلى الأرض يغسلون النبي (صلّى الله عليه وآله) معه ويصلّون معه عليه ويحفرون له والله ما حفر له غيرهم حتى إذا وضع في قبره نزلوا مع مَن نزل فوضعوه، فتكلّم وفتح لأمير المؤمنين (عليه السلام) سمعه. فسمعه (صلّى الله عليه وآله) يوصيهم به فبكى وسمعهم يقولون: لا نألوه جهداً وإنما هو صاحبنا بعدك إلاّ أنه ليس يعايننا ببصره بعد مرتنا هذه»(14).
وهكذا انتقل الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) من هذه الدنيا بعد آلام طويلة وصفها بأنه ما أذي نبيّ بمثل ما أوذيت.
صلّى الله عليك ياأبا القاسم ياحبيب الله ورحمة الله وبركاته.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) كنز الفوائد: 70.
(2) نهج البلاغة 1 : 456.
(3) تفسير مجمع البيان 7 : 323.
(4) المقنعة: 456.
(5) بحار الأنوار 15 : 293، ح14.
(6) انظر: بحار الأنوار ج 17 : 359-405 وج18 : 110-111. وغيره.
(7) سورة القلم: آية 4.
( الفرط : السابق قومه.
(9) المناقب لابن شهرآشوب: ج3 ص47.
(10) تفسير فرات الكوفي: 220.
(11) الكافي 1 : 240 و258.
(12) الارشاد 1 : 187.
(13) الارشاد : 100.
(14) بصائر الدرجات: 225.
(صلّى الله عليه وآله)
1ـ نسبه الشريف: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن هاشم بن قُصيّ ابن كلاب ابن مرّة ينتهي نسبُه الشريف إلى النبي إبراهيم الخليل (عليه السلام). وأُمّه آمنة بنت وهب من النساء الطاهرات.
وقد كان أجداده طاهري النسب من الآباء والأمهات إذ صرّح (صلّى الله عليه وآله) في أحاديث رواها السنة والشيعة بذلك فقد جاء عنه (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: «نُقلت من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة نكاحاً لا سفاحاً»(1).
وقال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «وأشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسولُه وسيد عباده كلّما نسخ الله الخلق فرقتين جعله في خيرهما لم يُسهم فيه عاهرٌ ولا ضربَ فيه فاجر»(2).
كما ذكر الإمام الصادق (عليه السلام) ذلك مفسّراً الآية ((وَتَقَلُّبَك في الساجِدِينَ)): «أي في أصلاب النبيّين نبيٌّ بعد نبيّ حتى أخرجه من صلب أبيه عن نكاحٍ غير سفاح من لدن آدم»(3).
2ـ مولده (صلّى الله عليه وآله): ولد النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في عام الفيل (570م)(4) باتفاق كتاب السيرة، في السابع عشر من ربيع الأول عند الشيعة الإمامية والثاني عشر عند المشهور من العامة.
وقد وقعت يوم ولادته أحداث عجيبة فقد وُلد مختوناً مقطوع السرة وهو يقول: «((الله أكبر والحمدُ له كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً)) كما تساقطت الأصنام في الكعبة على وجهها وخرج نورٌ معه أضاء مساحة واسعة من الجزيرة العربية وانكسر إيوان كسرى وسقطت أربعة عشر شرفة منه وانخمدت نار فارس التي كانت تعبد»(5) إلى غير ذلك.
توفي والده عبدالله وهو في بطن أُمّه وتوفيت أُمّه وهو في السادسة من عمره فتكفّله جدّه عبدالمطّلب إلاّ أنه فقده أيضاً في الثامنة من عمره فتكفّله عمّه أبوطالب.
3ـ معاجزه وفضائله ومناقبه: وهي أكثر من أن تُذكر أو يحويها فكر ولكن لا مانع من ذكر بعضها على نحو الاختصار وإلاّ فهي كثيرة ذكرها ابن شهرآشوب أنها أربعة آلاف وأربعمائة وأربعين معجزة ولم يذكرها كلها ومعجزاته ومناقبه (صلّى الله عليه وآله) على أنواع:
فمن المعاجز والمناقب ما حصل في الأجرام السماوية كشق القمر وردّ الشمس وتضليل الغمام ونزول المطر والأطعمة والفواكه من السماء ومن معجزاته (صلّى الله عليه وآله) ما حصل في الجمادات والنباتات كسلام الشجر والمدر عليه ومشي الشجر بأمره وتسبيح الحجر بيده وانقلاب الجذع سيفاً.
ومن معاجزه (صلّى الله عليه وآله) ما حصل في الحيوانات مثل تكلم عجل آل ذريح وحثّ الناس على نبوته (صلّى الله عليه وآله) وتكلّم الرضيع والذئب والإبل والشاة المسمومة معه (صلّى الله عليه وآله).
ومنها: ما حصل في الموتى وشفاء المرضى. وهي كثيرة جداً ومن معجزاته (صلّى الله عليه وآله) ما حصل مع الأعداء كهلاك المستهزئين وأكل الأسد عتبة بن أبي لهب ودفعه لشر أبي جهل وأبي لهب وأم جميل وعامر بن الطفيل وأزيد بن قيس ومعمر بن يزيد ونضر بن الحارث.
ومن المعاجز أيضاً استيلائه على الجن والشياطين وإيمان بعض الجن به(6).
وأمّا فضائله (صلّى الله عليه وآله) فكان جواداً كريماً شجاعاً صادقاً أميناً حتى دُعي في ذلك أيام صباه واشتهر بالصادق الأمين قبل نبوته (صلّى الله عليه وآله): فكان أعداؤه يعرفونه بالأمانة والصدق فهذا أبو جهل يقول: إنّا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به.
كان كثير السكوت وضحكه التبسّم وإذا جلس إليه أحد لم يقم حتى يقوم الذي جلس إليه.
كان واسع الصدر فعن أنس قال: إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) أدركه أعرابي فأخذ بردائه فجذبه جذبةً شديدة حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد أثّرت بها حاشية الرداء من شدّة جذبته ثم قال له: يامحمّد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فضحك وأمر له بعطاء.
ومن سموّ أخلاقه وفضائله ما روي عن أبي جعفر عليه السلام (عليه السلام) من أنّه قال: «إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أتى باليهودية التي سمّت الشاة للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) فقال لها: ما حملك على ما صنعتِ؟ فقالت: قلتُ: إن كان نبيّاً لم يضرّه وإن كان ملكاً أرحت الناس منه قال: فعفا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عنها».
ومن هنا وصفه القرآن بأنّه على خلقٍ عظيم إذ قال تعالى: ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ))(7).
فمن تتبع فضائله ومناقبه وسمو أخلاقه ومعاجزه قطع بأنّه المبعوث رحمة للعالمين لإخراجهم من الظلمات إلى النور.
4ـ شمائله (صلّى الله عليه وآله): عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ولا الأبيض الأمهقِ ولا بالأدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط بعثه الله تعالى على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفّاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.
والمقصود من الأمهق الشديد البياض بحيث يكون خالياً عن الحمرة والجعد إذا كان فيه إلتواء وانقباض والقطط الجعودة والسبط خلاف الجعد.
وتوفّاه الله وعمره ثلاث وستّين سنة.
وعن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «لم يكن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) (صلّى الله عليه وآله) بالطويل ولا بالقصير شثن الكفّين والقدمين ضخم الرأس ضخم الكراديس طويل المسربة إذا مشى تكفّأ تكفؤاً كأنما ينحطّ من صببٍ لم أرَ قبله ولا بعده مثله».
5ـ شهادته (صلّى الله عليه وآله): قبض الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) على ما ذكره شيخ الطائفة في التهذيب مسموماً يوم الاثنين في الثامن والعشرين من شهر صفر سنة عشرة من الهجرة وعلى المعروف. أنه في السنة الحادية عشرة للهجرة وهكذا ينقطع الوحي الإلهي بعد وقتٍ ليس بقصير من التردد بين الحضرة الربوبية والساحة الأحمدية من الربط بين العالمين العالم العلوي والعالم السفلي.
وأما كيفية وفاته (صلّى الله عليه وآله) ووصاياه فأنّه (صلّى الله عليه وآله) لما تحقّق من دنوّ أجله أخذ يحذّر المسلمين من الفتنة بعده والخلاف عليه ويؤكّد وصايتهم بالتمسك بالكتاب والسنة والوفاق ويحثّهم على الأقتداء بعترته والطاعة لهم والنصرة والحراسة والأعتصام بهم في الدين ويزجرهم عن الخلاف والأرتداد وكان فيما ذكره من ذلك ما جاءت به الروايات أنّه قال: «أيّها الناس إني فرطكم( وأنتم واردون عليَّ الحوض ألا وأني سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفّوني فيهما فأنّ اللطيف الخبير نبأني أنّهما لن يفترقا حتى يلقاني وسألت ربي ذلك فأعطانيه. ألا وإني قد تركتهما فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولا تسبقوهم فتفرقوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فأنهم أعلم منكم أيّها الناس لا ألفيتكم بعدي ترجعون كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض فتلقوني في كتيبةٍ كبحر السيل الجرّار ألا وإن عليّ بن أبي طالب أخي ووصيّي يُقاتِل بعدي على تأويل القرآني كما قاتلت على تنزيله..» ونفس هذا الكلام الذي كرّره مراراً وفي مواضع وأزمنة مختلفة، مُنع (صلّى الله عليه وآله) من كتابته ووصفوه بأنّه يهجر تارة وغلب عليه الوجع تارة أخرى. خوفاً من كتابة الحق واستقامة الأمة وزعموا أنّ النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) خرج من الدنيا وترك الأمر شورى بين المسلمين ولم يوصِ لأحدٍ والحال أن النبي (صلّى الله عليه وآله) لم يخرج في معركة أو غزوة أو سفر إلاّ وترك خليفة له وهو القائل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «ياعليّ من لم يحسن وصيته عند موته كان نقصاً في مرؤته ولم يملك الشفاعة» فكيف وهو الصادق الأمين والذي لا ينطق عن الهوى أن يترك الأمة سُدىً بلا وصي ولا خليفة.
ثم تقدّم (عليه السلام) فصلّى عليه وحده لم يشركه معه أحد في الصلاة عليه وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه وأين يدفن فخرج إليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال لهم: «إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إمامنا حيّاً وميّتاً فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلّون عليه بغير إمام وينصرفون؛ وإن الله لم يقبض نبياً في مكان إلاّ وقد ارتضاه لرمسه فيه. وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها» فسلّم القوم لذلك ورضوا به(13).
وروي عن بصائر الدرجات عن أبي عبدالله (عليه السلام): «إنه لما قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هبط جبرئيل (عليه السلام) ومعه الملائكة والروح الذين كانوا يهبطون في ليلة اقدر. قال: ففتح لأمير المؤمنين بصره فرآهم في منتهى السماوات إلى الأرض يغسلون النبي (صلّى الله عليه وآله) معه ويصلّون معه عليه ويحفرون له والله ما حفر له غيرهم حتى إذا وضع في قبره نزلوا مع مَن نزل فوضعوه، فتكلّم وفتح لأمير المؤمنين (عليه السلام) سمعه. فسمعه (صلّى الله عليه وآله) يوصيهم به فبكى وسمعهم يقولون: لا نألوه جهداً وإنما هو صاحبنا بعدك إلاّ أنه ليس يعايننا ببصره بعد مرتنا هذه»(14).
وهكذا انتقل الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) من هذه الدنيا بعد آلام طويلة وصفها بأنه ما أذي نبيّ بمثل ما أوذيت.
صلّى الله عليك ياأبا القاسم ياحبيب الله ورحمة الله وبركاته.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) كنز الفوائد: 70.
(2) نهج البلاغة 1 : 456.
(3) تفسير مجمع البيان 7 : 323.
(4) المقنعة: 456.
(5) بحار الأنوار 15 : 293، ح14.
(6) انظر: بحار الأنوار ج 17 : 359-405 وج18 : 110-111. وغيره.
(7) سورة القلم: آية 4.
( الفرط : السابق قومه.
(9) المناقب لابن شهرآشوب: ج3 ص47.
(10) تفسير فرات الكوفي: 220.
(11) الكافي 1 : 240 و258.
(12) الارشاد 1 : 187.
(13) الارشاد : 100.
(14) بصائر الدرجات: 225.